الخميس، 8 أكتوبر 2009

الأخلاق عند العرب قبل البعثه

الأخلاق:
لا شك أن أهل الجاهلية كانت فيهم دنايا ورذائل وأمور ينكرها العقل السليم ويأباها الوجدان، ولكن كانت فيهم من الأخلاق الفاضلة المحمودة ما يروع الإنسان ويفضى به إلى الدهشة والعجب، فمن تلك الأخلاق:
1 ـ الكرم: وكانوا يتبارون في ذلك ويفتخرون به، وقد استنفدوا فيه نصف أشعارهم بين ممتدح به ومُثْنٍ على غيره، كان الرجل يأتيه الضيف في شدة البرد والجوع وليس عنده من المال إلا ناقته التي هي حياته وحياة أسرته، فتأخذه هزة الكرم فيقوم إليها، فيذبحها لضيفه. ومن آثار كرمهم أنهم كانوا يتحملون الديات الهائلة والحمالات المدهشة، يكفون بذلك سفك الدماء، وضياع الإنسان، ويمتدحون بها مفتخرين على غيرهم من الرؤساء والسادات.
(0/50)
________________________________________
ص51 وكان من نتائج كرمهم أنهم كانوا يتمدحون بشرب الخمور، لا لأنها مفخرة في ذاتها؛ بل لأنها سبيل من سبل الكرم، ومما يسهل السَّرَف على النفس، ولأجل ذلك كانوا يسمون شَجَرَ العنب بالكَرْم، وخَمْرَه بِبِنْتِ الكرم. وإذا نظرت إلى دواوين أشعارالجاهلية تجد ذلك بابًا من أبواب المديح والفخر، يقول عنترة بن شداد العبسي في معلقته:
ولقد شَرِبْتُ من المُدَامَة بَعْدَ ما ... رَكَد الهَواجِرُ بالمَشُوفِ المُعْلِم
بزُجَاجَةٍ صَفْراء ذات أسِرَّة ... قُرنَتْ بأزهرَ بالشِّمَال مُفَدَّم
فإذا شَرِبتُ فإننى مُسْتَهْلِك ... مالي وعِرْضِي وافِرٌ لم يُكْلَم
وإذا صَحَوْتُ فما أُقَصِّرُ عن نَدَى ... وكما عَلمت شمائلي وَتَكَرُّمِي
ومن نتائج كرمهم اشتغالهم بالميسر، فإنهم كانوا يرون أنه سبيل من سبل الكرم؛ لأنهم كانوا يطعمون المساكين ما ربحوه أو ما كان يفضل عن سهام الرابحين؛ ولذلك ترى القرآن لا ينكر نفع الخمر والميسر وإنما يقول: {وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة: 219].
2 ـ الوفاء بالعهد: فقد كان العهد عندهم دينًا يتمسكون به، ويستهينون في سبيله قتل أولادهم، وتخريب ديارهم، وتكفي في معرفة ذلك قصة هانئ بن مسعود الشيباني، والسَّمَوْأل بن عاديا، وحاجب بن زرارة التميمي.
3 ـ عزة النفس والإباء عن قبول الخسف والضيم: وكان من نتائج هذا فرط الشجاعة وشدة الغيرة، وسرعة الانفعال، فكانوا لا يسمعون كلمة يشمون منها رائحة الذل والهوان إلا قاموا إلى السيف والسنان، وأثاروا الحروب العوان، وكانوا لا يبالون بتضحية أنفسهم في هذا السبيل.
4 ـ المضي في العزائم: فإذا عزموا على شيء يرون فيه المجد والافتخار، لا يصرفهم عنه صارف، بل كانوا يخاطرون بأنفسهم في سبيله.
5 ـ الحلم، والأناة، والتؤدة: كانوا يتمدحون بها إلا أنها كانت فيهم عزيزة الوجود؛
(0/51)
________________________________________
ص52 لفرط شجاعتهم وسرعة إقدامهم على القتال.
6 ـ السذاجة البدوية، وعدم التلوث بلوثات الحضارة ومكائدها: وكان من نتائجها الصدق والأمانة، والنفور عن الخداع والغدر.
نرى أن هذه الأخلاق الثمينة ـ مع ما كان لجزيرة العرب من الموقع الجغرافي بالنسبة إلى العالم ـ كانت سببًا في اختيار الله عز وجل إياهم لحمل عبء الرسالة العامة، وقيادة الأمة الإنسانية، وإصلاح المجتمع البشرى؛ لأن هذه الأخلاق وإن كان بعضها يفضى إلى الشر، ويجلب الحوادث المؤلمة إلا أنها كانت في نفسها أخلاقًا ثمينة، تدر بالمنافع العامة للمجتمع البشرى بعد شيء من الإصلاح، وهذا الذي فعله الإسلام. ولعل أغلى ما عندهم من هذه الأخلاق وأعظمها نفعًا ـ بعد الوفاء بالعهد ـ هو عزة النفس والمضي في العزائم؛ إذ لا يمكن قمع الشر والفساد وإقامة نظام العدل والخير إلا بهذه القوة القاهرة وبهذا العزم الصميم. ولهم أخلاق فاضلة أخرى دون هذه التي ذكرناها، وليس قصدنا استقصاءها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق